الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: جمع الوسائل في شرح الشمائل
.باب مَا جَاءَ فِي تَخَتُّمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيْ فِي كَيْفِيَّةِ لُبْسِهِ الْخَاتَمَ، وَالْبَابُ السَّابِقُ قُصِدَ فِيهِ بَيَانُ نَقْشِ الْخَاتَمِ، فَلَا يُرَدُّ مَا قِيلَ: لَوْ جَعَلَ كِلَا الْبَابَيْنِ بَابًا وَاحِدًا لَكَانَ أَوْلَى، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بَابٌ فِي أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَخَتَّمُ فِي يَمِينِهِ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: لَا يُنَافِي ذِكْرُهُ تَخَتُّمَهُ فِي يَسَارِهِ لِمَا سَيَأْتِي، وَقَالَ مِيرَكُ: فِيهِ إِشْعَارٌ بِأَنَّ الْمُصَنِّفَ كَانَ يُرَجِّحُ رِوَايَاتِ تَخَتُّمِهِ فِي الْيَمِينِ عَلَى الرِّوَايَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى تَخَتُّمِهِ فِي الْيَسَارِ، فَلِذَا لَمْ يُخَرِّجْ فِي الْبَابِ حَدِيثًا فِيهِ التَّصْرِيحُ بِكَوْنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَخَتَّمَ فِي يَسَارِهِ، بَلْ قَالَ فِي جَامِعِهِ: رَوَى بَعْضُ أَصْحَابِ قَتَادَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَخَتَّمَ فِي يَسَارِهِ، وَهُوَ حَدِيثٌ لَا يَصِحُّ؛ وَلِذَا رَجَّحَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ الْأَحَادِيثَ الْمَذْكُورَةَ فِي هَذَا الْبَابِ، وَأَكْثَرُهَا صِحَاحٌ، وَفِي الْبَابِ عَنْ أَنَسٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ بِلَفْظٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَبِسَ خَاتَمًا مِنْ فِضَّةٍ فِي يَمِينِهِ، فَصُّهُ حَبَشِيٌّ، وَعَنْ عَائِشَةَ عِنْدَ أَبِي الشَّيْخِ بِسَنَدٍ حَسَنٍ وَعِنْدَ الْبَزَّارِ بِسَنَدٍ لَيِّنٍ، وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَهُ أَيْضًا بِسَنَدٍ لَيِّنٍ وَعَنْ أُبَيٍّ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ وَفِي غَرَائِبِ مَالِكٍ بِسَنَدٍ سَاقِطٍ، وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَهُوَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ أَيْضًا، لَكِنْ فِيهِ جُوَيْرِيَةُ وَلَا أَحْسَبُهُ إِلَّا قَالَ فِي يَدِهِ الْيُمْنَى، هَكَذَا وَقَعَ عَلَى الشَّكِّ وَجُوَيْرِيَةُ هُوَ الرَّاوِي عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَالشَّكُّ مِنْ مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ هَكَذَا، حَقَّقَهُ الْعَسْقَلَانِيُّ فِي شَرْحِهِ، وَقَالَ: قَدْ أَخْرَجَهُ ابْنُ سَعْدٍ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ وَأَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ كِلَاهُمَا عَنْ جُوَيْرِيَةَ، وَجَزَمَا بِأَنَّهُ لَبِسَهُ فِي يَدِهِ الْيُمْنَى، وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ يَعْنِي فِي الْجَامِعِ وَابْنُ سَعْدٍ مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ بِلَفْظِ: «صَنَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ فَتَخَتَّمَ بِهِ فِي يَمِينِهِ، ثُمَّ جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَقَالَ: إِنِّي كُنْتُ اتَّخَذْتُ هَذَا الْخَاتَمَ فِي يَمِينِي ثُمَّ نَبَذَهُ» الْحَدِيثَ، انْتَهَى. قُلْتُ: فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ لُبْسَهُ فِي يَمِينِهِ أَيْضًا مَنْسُوخٌ بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَا قَصَدَ الزِّينَةَ، وَلُبْسُ الْخَاتَمِ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً كَانَ يُنَاسِبُ الْيَمِينَ، وَلَمَّا نَهَى عَنْهُ ثُمَّ أُمِرَ لَهُ بِلَبْسِهِ لِلْحَاجَةِ جَعَلَهُ فِي يَسَارِهِ، بَلْ جَعَلَ فَصَّهُ مِمَّا يَلِي كَفَّهُ احْتِرَازًا عَنِ الزِّينَةِ، بِقَدْرِ مَا أَمْكَنَ؛ وَلِذَا قَالَ شَارِحُ شِرْعَةِ الْإِسْلَامِ عِنْدَ قَوْلِهِ: وَيُتَخَتَّمُ فِي خِنْصَرِ الْيَسَارِ، أَيْ فِي زَمَانِنَا وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اجْعَلْهَا فِي يَمِينِكَ، كَانَ ذَلِكَ فِي بِدْءِ الْإِسْلَامِ، ثُمَّ صَارَ ذَلِكَ مِنْ عَلَامَاتِ أَهْلِ الْبَغْيِ، كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ خَاتَمُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذِهِ، وَأَشَارَ إِلَى الْخِنْصَرِ مِنْ يَدِهِ الْيُسْرَى، أَمَّا اخْتِيَارُ الْيُسْرَى فَلِجَبْرِ نُقْصَانِهَا وَلِحِرْمَانِهَا عَنِ الْأَفْعَالِ الْفَاضِلَةِ؛ وَلِأَنَّهُ أَبْعَدُ مِنَ الْخُيَلَاءِ وَالْكِبْرِ، لِقِلَّةِ حَرَكَاتِهَا الظَّاهِرَةِ، وَتَخْصِيصُ الْخِنْصَرِ لِضَعْفِهَا، وَجَبْرِ نُقْصَانِهَا، قُلْتُ: وَلِكَوْنِهَا أَصْغَرَ فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى الْخَاتَمِ الْأَكْبَرِ، وَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ التَّخَتُّمِ فِي هَذِهِ، فَأَوْمَأَ إِلَى الْوُسْطَى وَالْمُسَبِّحَةِ، ذَكَرَهُ فِي الْمَصَابِيحِ، وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ حَلْقَةُ الْخَاتَمِ وَفَصُّهُ مِنْ فِضَّةٍ، وَلِيَكُنِ الْخَاتَمُ أَقَلَّ مِنْ مِثْقَالٍ، وَيَكُونُ قَدْرَ الدِّرْهَمِ؛ لِكَوْنِهِ أَبْعَدَ عَنِ السَّرَفِ وَأَقْرَبَ إِلَى التَّوَاضُعِ، قَالَ مِيرَكُ: وَقَدْ جَاءَ التَّخَتُّمُ فِي الْيَسَارِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْهُ بِلَفْظِ: «كَانَ يَلْبَسُ خَاتَمَهُ فِي يَسَارِهِ»، لَكِنْ فِي سَنَدِهِ لِينٌ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ سَعْدٍ أَيْضًا، وَقَدْ جَمَعَ الْبَيْهَقِيُّ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي التَّخَتُّمِ فِي الْيَمِينِ، وَالْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي التَّخَتُّمِ فِي الْيَسَارِ، بِأَنَّ الَّذِي لَبِسَهُ فِي يَمِينِهِ كَانَ هُوَ خَاتَمُ الذَّهَبِ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ يَعْنِي الَّذِي تَقَدَّمَ وَسَيَأْتِي فِي آخِرِ الْبَابِ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَالَّذِي فِي يَسَارِهِ هُوَ خَاتَمُ الْفِضَّةِ، أَقُولُ: وَيُشْكِلُ هَذَا بِالْحَدِيثِ الَّذِي تَقَدَّمَ عَنْ أَنَسٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ فَفِيهِ التَّصْرِيحُ بِأَنَّهُ لَبِسَهُ فِي يَمِينِهِ أَوَّلًا، ثُمَّ حَوَّلَهُ إِلَى يَسَارِهِ، وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِمَا أَخْرَجَهُ أَبُو الشَّيْخِ وَابْنُ عَدِيٍّ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَطَاءٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَخَتَّمَ فِي يَمِينِهِ ثُمَّ أَنَّهُ حُوِّلَ فِي يَسَارِهِ، وَهَذَا لَوْ صَحَّ لَكَانَ قَاطِعًا لِلنِّزَاعِ، وَلَكِنَّ سَنَدَهُ ضَعِيفٌ، وَأَخْرَجَ ابْنُ سَعْدٍ مِنْ طَرِيقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: طَرَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاتَمَ الذَّهَبِ، ثُمَّ اتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ وَرِقٍ فَجَعَلَهُ فِي يَسَارِهِ، وَهَذَا مُرْسَلٌ أَوْ مُعْضِلٌ، قُلْتُ: الْمُرْسَلُ حُجَّةٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَالْمُعْضِلُ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مُؤَيِّدًا وَمُقَوِّيًا لِلْحَدِيثِ الَّذِي سَنَدُهُ ضَعِيفٌ، قَالَ: وَقَدْ جَمَعَ الْبَغَوِيُّ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ بِذَلِكَ فَقَالَ: إِنَّهُ تَخَتَّمَ أَوَّلًا فِي يَمِينِهِ، ثُمَّ تَخَتَّمَ فِي يَسَارِهِ، وَكَانَ ذَلِكَ آخِرَ الْأَمْرَيْنِ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ: أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى جَوَازِ التَّخَتُّمِ فِي الْيَمِينِ، وَجَوَازِهِ فِي الْيَسَارِ، وَلَا كَرَاهَةَ فِي وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا، وَاخْتَلَفُوا أَيُّهُمَا أَفْضَلُ، فَتَخَتَّمَ كَثِيرُونَ مِنَ السَّلَفِ فِي الْيَمِينِ، وَكَثِيرُونَ فِي الْيَسَارِ، وَاسْتَحَبَّ مَالِكٌ الْيَسَارَ، وَكَرِهَ الْيَمِينَ، وَفِي مَذْهَبِنَا وَجْهَانِ: الصَّحِيحُ أَنَّ الْيَمِينَ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّهُ زِينَةٌ، وَالْيَمِينُ أَشْرَفُ، وَأَخَصُّ بِالزِّينَةِ وَالْكَرَامَةِ انْتَهَى. وَقِيلَ: إِنَّ الزِّينَةَ هِيَ سَبَبُ الْكَرَاهَةِ، وَقَالَ الْعَسْقَلَانِيُّ: وَيَظْهَرُ لِي أَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْقَصْدِ، فَإِنْ كَانَ لُبْسُهُ لِلتَّزَيُّنِ بِهِ، فَالْيَمِينُ أَفْضَلُ، وَإِنْ كَانَ لِلتَّخَتُّمِ بِهِ فَالْيَسَارُ أَوْلَى، لِأَنَّهُ يَكُونُ كَالْمُودَعِ فِيهَا، وَيَحْصُلُ تَنَاوُلُهُ مِنْهَا بِالْيَمِينِ، وَكَذَا وَضْعُهُ فِيهَا وَيَتَرَجَّحُ التَّخَتُّمُ فِي الْيَمِينِ مُطْلَقًا، بِأَنَّ الْيَسَارَ آلَةُ الِاسْتِنْجَاءِ، فَيُصَانُ الْخَاتَمُ إِذَا كَانَ فِي الْيَمِينِ، عَنْ أَنْ تُصِيبَهُ النَّجَاسَةُ، قُلْتُ: فِيهِ بَحْثٌ لِأَنَّهُ اخْتُلِفَ فِي جَوَازِ نَقْشِ اسْمِ اللَّهِ عَلَيْهِ وَعَدَمِهِ، وَعَلَى تَقْدِيرِ وَجُودِهِ، يُسْتَحَبُّ إِخْرَاجُهُ عَنْ يَدِهِ، فَلَا يُوجَدُ تَرَجُّحٌ، قَالَ: وَيَتَرَجَّحُ التَّخَتُّمُ فِي الْيَسَارِ، بِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنَ التَّنَاوُلِ، وَجَنَحَتْ طَائِفَةٌ إِلَى اسْتِوَاءِ الْأَمْرَيْنِ، وَجَمَعُوا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ الْمُخْتَلِفَةِ بِذَلِكَ، وَأَشَارَ إِلَيْهِ أَبُو دَاوُدَ حَيْثُ تَرْجَمَ بَابَ التَّخَتُّمِ فِي الْيَمِينِ وَالْيَسَارِ، ثُمَّ أَوْرَدَ الْأَحَادِيثَ مَعَ اخْتِلَافِهَا فِي ذَلِكَ بِغَيْرِ تَرْجِيحٍ.(حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلِ بْنِ عَسْكَرٍ الْبَغْدَادِيُّ) بِالْمُعْجَمَةِ وَالْمُهْمَلَةِ فِي الدَّالِ الثَّانِي عَلَى مَا فِي النُّسَخِ، وَأَمَّا فِي اللُّغَةِ فَتَقَدَّمَ جَوَازُ أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ، أَخْرَجَ حَدِيثَهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ (وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) تَقَدَّمَ (قَالَا) أَيْ سَهْلٌ وَعَبْدُ اللَّهِ (أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ) يُصْرَفُ وَلَا يُصْرَفُ وَتَقَدَّمَ، وَجْهُهُمَا أَنَّهُ فِعَالٌ أَوْ فِعْلَانٌ، أَخْرَجَ حَدِيثَهُ السِّتَّةُ إِلَّا ابْنُ مَاجَهْ (أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ) أَخْرَجَ حَدِيثَهُ السِّتَّةُ (عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ) بِفَتْحِ نُونٍ وَكَسْرِ مِيمٍ آخِرُهُ رَاءٌ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ جَدَّهُ تَمْيِيزًا لَهُ عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْقَاضِي وَقَدْ سَبَقَ تَرْجَمَتُهُمَا (عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُنَيْنٍ) بِضَمِّ مُهْمَلَةٍ وَفَتْحِ النُّونِ الْأُولَى بَعْدَهَا يَاءٌ سَاكِنَةٌ (عَنْ أَبِيهِ) أَخْرَجَ حَدِيثَهُمَا السِّتَّةُ (عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَلْبَسُ) بِفَتْحِ الْبَاءِ مِنَ اللُّبْسِ بِضَمِّ اللَّامِ (خَاتَمَهُ) بِفَتْحِ التَّاءِ وَيُكْسَرُ (فِي يَمِينِهِ) قَالَ ابْنُ حَجَرٍ أَيْ فِي أَكْثَرِ أَحْوَالِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ وَلِأَنَّ التَّخَتُّمَ فِيهِ نَوْعُ تَشَرُّفٍ وَزِينَةٍ، وَالْيَمِينُ بِهِمَا أَوْلَى خِلَافًا لِمَالِكٍ وَرِوَايَةً عَنْ أَحْمَدَ، قُلْتُ: وَهُوَ مَذْهَبُنَا الْمُخْتَارُ لِمَا تَقَدَّمَ مِنَ الْآثَارِ فَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ مِنَ الْعُلَمَاءِ الْأَبْرَارِ. (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ) رَوَى عَنْهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ (أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ) مَرَّ ذِكْرُهُ (عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ نَحْوَهُ) قَالَ مِيرَكُ: أَوْرَدَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ وَجْهَيْنِ، وَقَدْ صَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ انْتَهَى. وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ لُبْسَهُ فِي يَسَارِهِ أَحْيَانًا كَانَ لِبَيَانِ الْجَوَازِ، لَكِنِ اسْتَدَلَّ الْجُمْهُورُ بِرِوَايَةِ مُسْلِمٍ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ خَاتَمَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذِهِ وَأَشَارَ لِخِنْصَرِ يُسْرَاهُ، وَبِرِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَخَتَّمُ فِي يَسَارِهِ، وَيَقُولُ بَعْضُ الْحُفَّاظِ: التَّخَتُّمُ فِيهَا مَرْوِيٌّ عَنْ عَامَّةِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَبِأَنَّ خَبَرَ الْمُصَنِّفِ الْآتِي عَنْ جَابِرٍ فِيهِ ضَعْفٌ، وَخَبَرُ: «قَبْضِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْخَاتَمُ فِي يَمِينِهِ» مَتْرُوكٌ، وَخَبَرُ الْبَزَّارِ كَانَ يَتَخَتَّمُ فِي يَمِينِهِ، وَقُبِضَ وَالْخَاتَمُ فِي يَمِينِهِ فِيهِ كَذِبٌ، وَيَقُولُ الْحَافِظُ بْنُ رَجَبٍ: وَرَدَ فِي حَدِيثٍ أَنْ تَخَتُّمَهُ فِي يَسَارِهِ هُوَ آخِرُ الْأَمْرَيْنِ مِنْ فِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِأَنَّ وَكِيعًا قَالَ: التَّخَتُّمُ فِي الْيَمِينِ، لَيْسَ بِسُنَّةٍ، وَأَمَّا مَا أَجَابَ ابْنُ حَجَرٍ عَنْ هَذَا بِأَنَّ حَدِيثَ التَّخَتُّمِ فِي الْيَمِينِ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْمُصَنِّفُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَعْنِي الْبُخَارِيَّ: هَذَا أَصَحُّ شَيْءٍ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْبَابِ، فَلَا يَخْفَى عَلَى أُولِي الْأَلْبَابِ أَنَّهُ لَا يَصْلُحُ لِلْجَوَابِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (تَنْبِيهٌ) وَفِي خَبَرٍ ضَعِيفٍ كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ حَاجَةً أَوْثَقَ فِي خَاتَمِهِ خَيْطًا، وَرَوَى أَبُو يَعْلَى كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَشْفَقَ مِنَ الْحَاجَةِ أَنْ يَنْسَاهَا رَبَطَ فِي إِصْبَعِهِ خَيْطًا لِيَذْكُرَهَا، لَكِنْ قِيلَ: إِنَّهُ مَوْضُوعٌ، ذَكَرَهُ ابْنُ حَجَرٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ قَالَ: رَأَيْتُ ابْنَ أَبِي رَافِعٍ) اسْمُهُ: عَبْدُ اللَّهِ شَيْخٌ لِحَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ رَوَى عَنْهُ الْأَرْبَعَةُ (يَتَخَتَّمُ فِي يَمِينِهِ) حَالٌ مِنْ مَفْعُولِ رَأَيْتُ (فَسَأَلْتُهُ) أَيِ ابْنَ أَبِي رَافِعٍ (عَنْ ذَلِكَ) أَيْ سَبَبِهِ (فَقَالَ رَأَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ) أَيِ ابْنَ أَبِي طَالِبٍ الْهَاشِمِيَّ أَحَدُ الْأَجْوَادِ وُلِدَ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ وَلَهُ صُحْبَةٌ مَاتَ سَنَةَ ثَمَانِينَ، وَهُوَ ابْنُ ثَمَانِينَ أَخْرَجَ حَدِيثَهُ السِّتَّةُ (يَتَخَتَّمُ فِي يَمِينِهِ، وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَخَتَّمُ فِي يَمِينِهِ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ) بِالنُّونِ وَالْمِيمِ مُصَغَّرًا (أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْفَضْلِ) لَمْ أَطَّلِعْ عَلَى تَرْجَمَتِهِ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ) بِفَتْحٍ وَكَسْرٍ وَمَرَّ ذِكْرُهُ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَخَتَّمُ فِي يَمِينِهِ) قَالَ مِيرَكُ: أَوْرَدَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَيْضًا، وَنَقَلَ الْمُصَنِّفُ فِي الْجَامِعِ عَنِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ أَصَحُّ شَيْءٍ وَرَدَ فِي هَذَا الْبَابِ أَيِ التَّخَتُّمُ بِالْيَمِينِ. (حَدَّثَنَا أَبُو الْخَطَّابِ) بِفَتْحِ مُعْجَمَةٍ وَتَشْدِيدِ مُهْمَلَةٍ (زِيَادُ) بِكَسْرِ زَايٍ وَتَخْفِيفِ تَحْتِيَّةٍ (بْنُ يَحْيَى) أَخْرَجَ حَدِيثَهُ السِّتَّةُ (أَخْبَرَنَا) وَفِي نُسْخَةٍ أَنْبَأَنَا (عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَيْمُونٍ) ضَعِيفٌ بِالِاتِّفَاقِ (عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ) أَيِ الصَّادِقِ لُقِّبَ بِهِ لِكَمَالِ صِدْقِهِ، أَخْرَجَ حَدِيثَهُ الْبُخَارِيُّ فِي التَّارِيخِ وَمُسْلِمٌ وَالْأَرْبَعَةُ، أُمُّهُ فَرْوَةُ بِنْتُ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ (عَنْ أَبِيهِ) أَيْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ الْمُلَقَّبُ بِالْبَاقِرِ؛ لِأَنَّهُ بَقَرَ الْعِلْمَ أَيْ شَقَّهُ وَعَلِمَ أَصْلَهُ وَفَرْعَهُ وَجَلِيَّهُ وَخَفِيَّهُ، وَأُمُّهُ أُمُّ عَبْدِ اللَّهِ بِنْتُ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَهُوَ تَابِعِيٌّ جَلِيلٌ سَمِعَ جَابِرًا وَأَنَسًا وَرَوَى لَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَخَتَّمُ فِي يَمِينِهِ) قَالَ السَّيِّدُ أَصِيلُ الدِّينِ: قَالَ شَيْخُنَا ابْنُ حَجَرٍ يَعْنِي الْعَسْقَلَانِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ: فِي إِسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ لِينٌ، أَقُولُ: وَجْهُهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَيْمُونٍ تَكَلَّمَ فِيهِ، وَذَكَرَ مِيرَكُ، قَالَ الْبُخَارِيُّ: ذَاهِبُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: وَاهِي الْحَدِيثِ، وَقَالَ الْمُصَنِّفُ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: مَتْرُوكٌ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: لَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِمَا انْفَرَدَ بِهِ، أَقُولُ لِلْحَدِيثِ شَوَاهِدُ كَمَا تَرَى فَقَوَّى بِذَلِكَ رِوَايَتَهُ، وَخَرَجَتْ عَنْ حَدِّ نَكَارَتِهِ. (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ) بِالتَّصْغِيرِ (الرَّازِيُّ أَخْبَرَنَا) وَفِي نُسْخَةٍ أَنْبَأَنَا (جَرِيرٌ) بِفَتْحِ جِيمٍ وَكَسْرِ الرَّاءِ الْأُولَى بَعْدَهُ تَحْتِيَّةٌ (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ) سَبَقَ ذِكْرُهُمْ (عَنِ الصَّلْتِ) بِفَتْحِ مُهْمَلَةٍ فَسُكُونِ لَامٍ (بْنِ عَبْدِ اللَّهِ) أَيِ ابْنِ نَوْفَلِ بْنِ حَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَخْرَجَ حَدِيثَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ (قَالَ كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَتَخَتَّمُ فِي يَمِينِهِ وَلَا إِخَالُهُ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ فِي أَكْثَرِ الِاسْتِعْمَالِ، وَهُوَ الْأَفْصَحُ وَالْفَتْحُ الْقِيَاسُ عَلَى مَا فِي النِّهَايَةِ وَقِيلَ الثَّانِي هُوَ الْأَفْصَحُ وَفِي الْقَامُوسِ الْفَتْحُ لُغَيَّةٌ، وَهُوَ مُتَكَلِّمٌ بِحَالٍ أَيْ لَا أَظُنُّهُ، وَظَاهِرُ السِّيَاقِ أَنَّ قَائِلَ ذَلِكَ هُوَ الصَّلْتُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِوَاحِدٍ مِمَّنْ قَبْلَهُ، وَلَمْ تُوجَدْ هَذِهِ الْجُمْلَةُ فِي بَعْضِ الْأُصُولِ (إِلَّا قَالَ أَيِ ابْنُ عَبَّاسٍ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَخَتَّمُ فِي يَمِينِهِ) قَالَ مِيرَكُ: هَكَذَا أَوْرَدَهُ الْمُصَنِّفُ مُخْتَصَرًا وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: رَأَيْتُ عَلَى الصَّلْتِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ خَاتَمًا فِي خِنْصَرِهِ الْيُمْنَى، فَقَالَ: رَأَيْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ ذَكَرَهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ) هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عُمَرَ يُنْسَبُ إِلَى جَدِّهِ (أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ) قَالَ مِيرَكُ: هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ (عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى) أَيِ ابْنِ عَمْرِو بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ الْأُمَوِيِّ أَخْرَجَ حَدِيثَهُ السِّتَّةُ (عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ فِضَّةٍ) أَيْ لِلْخَتْمِ بِهِ (وَجَعَلَ فَصَّهُ مِمَّا يَلِي كَفَّهُ) أَيْ مِمَّا يَلِي بَطْنَ كَفِّهِ كَمَا فِي الصَّحِيحِ، قَالَ الْعُلَمَاءُ: لَمْ يَأْمُرِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ بِشَيْءٍ، فَيَجُوزُ جَعْلُ فَصِّهِ فِي بَاطِنِ الْكَفِّ وَظَاهِرِهَا، وَقَدْ عَمِلَ السَّلَفُ بِالْوَجْهَيْنِ وَمِمَّنِ اتَّخَذَهَا فِي ظَاهِرِهَا ابْنُ عَبَّاسٍ، قَالُوا: وَلَكِنَّ الْأَفْضَلَ الْأَوَّلُ اقْتِدَاءً بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ وَلِأَنَّهُ أَصْوَنُ لِفَصِّهِ وَأَسْلَمُ وَأَبْعَدُ مِنَ الزَّهْوِ وَالْإِعْجَابِ، كَذَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ (وَنَقَشَ فِيهِ) بِصِيغَةِ الْفَاعِلِ (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ) أَيْ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ فَمَحَلُّ الْجُمْلَةِ الْمُؤَوَّلَةِ بِالْمُفْرَدِ مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ، وَالْمَعْنَى أَمَرَ بِنَقْشِهِ فِيهِ وَإِنْ قُرِئَ مَجْهُولًا فَوَجْهُهُ مَعْلُومٌ (وَنَهَى) أَيِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَنْ يَنْقُشَ) بِضَمِّ الْقَافِ أَيْ يَحُكَّ (أَحَدٌ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى خَاتَمِهِ أَوْ مِثْلَ نَقْشِهِ وَلَعَلَّ سِرَّ النَّهْيِ أَنْ لَا يَلْتَبِسَ أَمْرُ الْخَاتَمِ، وَقَدْ رَاعَى الْخُلَفَاءُ ظَاهِرَ النَّهْيِ، فَلَمْ يَنْقُشُوا خَاتَمًا آخَرَ وَاسْتَعْمَلُوهُ حَتَّى فُقِدَ (وَهُوَ الَّذِي سَقَطَ مِنْ مُعَيْقِيبٍ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ التَّحْتِيَّتَيْنِ وَقَافٍ مَكْسُورَةٍ بَيْنَهُمَا، وَمُوَحَّدَةٌ فِي آخِرِهَا وَهُوَ ابْنُ أَبِي فَاطِمَةَ الدَّوْسِيُّ بَدْرِيٌّ ابْتُلِيَ بِالْجُذَامِ فَعُولِجَ مِنْهُ، بِأَمْرِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بِالْحَنْظَلِ، فَتَوَقَّفَ أَمْرُهُ وَهُوَ مَوْلَى سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ وَكَانَ أَسْلَمَ قَدِيمًا وَهَاجَرَ إِلَى الْحَبَشَةِ الْهِجْرَةَ الثَّانِيَةَ، وَأَقَامَ بِهَا حَتَّى قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ، وَكَانَ عَلَى خَاتَمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتَعْمَلَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ، وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ أَنَّ مُعَيْقِيبَ غُلَامَ عُثْمَانَ فَغَيْرُ صَحِيحٍ (فِي بِئْرِ أَرِيسَ) قَالَ ابْنُ حَجَرٍ، وَأَمَّا مَا رُوِيَ أَنَّ مُعَاذًا اتَّخَذَ خَاتَمًا وَنَقَشَ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، وَأَقَرَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحْمَلُ إِنْ صَحَّ عَلَى أَنَّهُ قَبْلَ النَّهْيِ أَوْ خُصُوصِيَّةً لِمُعَاذٍ، وَقَالَ الْعِصَامُ: فَإِنْ قُلْتَ قَدْ جَاءَ فِي بَعْضِ الطُّرُقِ أَنَّ مُعَاذًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اتَّخَذَ خَاتَمًا نَقَشَ فِيهِ «مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ» فَلَمَّا عَلِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِ قَالَ: آمَنُ كُلُّ شَيْءٍ مِنْ مُعَاذٍ حَتَّى خَاتَمَهُ، ثُمَّ أَخَذَ ذَلِكَ الْخَاتَمَ مِنْ مُعَاذٍ فَكَانَ فِي يَدِهِ. رَوَاهُ الدَّمِيرِيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ لِلنَّوَوِيِّ، قُلْتُ: لَعَلَّ النَّهْيَ بَعْدَ ذَلِكَ أَوِ الِاتِّخَاذَ لِعَدَمِ بُلُوغِ النَّهْيِ إِيَّاهُ انْتَهَى. قَالَ مِيرَكُ: أَوْ حُمِلَ النَّهْيُ عَلَى التَّنْزِيهِ انْتَهَى. فَمَا رُوِيَ مِنْ أَخْذِ الْخَاتَمِ مِنْ مُعَاذٍ يَدْفَعُ قَوْلَ الْخُصُوصِيَّةِ بِهِ. (حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعْدٍ أَنْبَأَنَا حَاتِمُ) بِمُهْمَلَةٍ وَكَسْرِ فَوْقِيَّةٍ (بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ) هُوَ الصَّادِقُ بْنُ الْبَاقِرِ (عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَتَخَتَّمَانِ فِي يَسَارِهِمَا) اتِّبَاعًا لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ فَعَلَهُ فِي أَكْثَرِ الْأَحْيَانِ أَوْ فِي آخِرِ أَمْرِهِ، أَوْ لِبُعْدِهِ عَنْ قَصْدِ الزِّينَةِ عَلَى تَقْدِيرٍ تَسَاوِي فِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَوْ لَمْ يَرَيَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْثَرَ الْأَحْيَانِ يَتَخَتَّمُ فِي يَسَارِهِ لَمْ يَفْعَلَاهُ، وَبِهَذَا يَظْهَرُ وَجْهُ مُنَاسَبَةِ هَذَا الْحَدِيثِ بِعُنْوَانِ الْبَابِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مُنْقَطِعٌ؛ لِأَنَّ مُحَمَّدًا لَمْ يَرَ الْحَسَنَيْنِ، وَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ ابْنُ حِبَّانَ فِي كِتَابِ أَخْلَاقِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ عَنْ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ، عَنْ أَبِيهِ مُحَمَّدٍ الْبَاقِرِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيًّا وَالْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ كَانُوا يَتَخَتَّمُونَ فِي الْيَسَارِ، وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْآدَابِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي جَعْفَرٍ نَحْوَهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ عُثْمَانَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. هَذَا وَلَمْ يَظْهَرْ وَجْهٌ لِلْفَصْلِ بِهَذَا الْحَدِيثِ بَيْنَ السَّابِقِ وَاللَّاحِقِ وَهُمَا فِي التَّخَتُّمِ بِالْيَمِينِ. (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى وَهُوَ ابْنُ الطَّبَّاعِ) بِتَشْدِيدِ الْمُوَحَّدَةِ أَيِ الْحَكَّاكِ وَنَقَّاشِ الْخَاتَمِ، أَخْرَجَ حَدِيثَهُ الْبُخَارِيُّ فِي التَّعْلِيقِ وَالْأَرْبَعَةُ (حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ) بِتَشْدِيدِ الْمُوَحَّدَةِ وَالْوَاوِ أَخْرَجَ حَدِيثَهُ السِّتَّةُ (عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَخَتَّمَ فِي يَمِينِهِ) قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي جَامِعِهِ هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوَ هَذَا إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَرَوَى بَعْضُ أَصْحَابِ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَخَتَّمَ فِي يَسَارِهِ، وَهُوَ حَدِيثٌ لَا يَصِحُّ أَيْضًا أَيْ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَإِلَّا فَقَدْ صَحَّ مِنْ طُرُقٍ أُخْرَى التَّخَتُّمُ فِيهِمَا، وَأَغْرَبَ ابْنُ حَجَرٍ، حَيْثُ جَعَلَ قَوْلَهُ فِي جَامِعِهِ أَيْضًا مِنْ مَتْنِ الشَّمَائِلِ، قَالَ مِيرَكُ: بَعْدَ نَقْلِ كَلَامِهِ فِي الْجَامِعِ أَقُولُ: قَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ خَاتَمُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذِهِ، وَأَشَارَ إِلَى الْخِنْصَرِ الْيُسْرَى، وَأَخْرَجَهُ أَبُو الشَّيْخِ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. انْتَهَى. وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَخَتَّمُ فِي يَسَارِهِ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ النَّوَوِيَّ قَالَ: كِلْتَا الرِّوَايَتَيْنِ صَحِيحَةٌ. (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ) بِالتَّصْغِيرِ (الْمُحَارِبِيُّ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَبِمُهْمَلَةٍ، وَكَسْرِ رَاءٍ وَمُوَحَّدَةِ نِسْبَةً لِبَنِي مُحَارِبٍ قَبِيلَةٌ مِنَ الْعَرَبِ، وَفِي نُسْخَةٍ: زِيَادَةُ الْكُوفِيِّ أَخْرَجَ حَدِيثَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ، (حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ) بِمُهْمَلَةٍ وَكَسْرِ زَايٍ أَخْرَجَ حَدِيثَهُ السِّتَّةُ (عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ) مَرَّ ذِكْرُهُ (عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: اتَّخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ) قَالَ مِيرَكُ: زَادَ عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ، وَجَعَلَ فَصَّهُ مِمَّا يَلِي كَفَّهُ، وَنَقَشَ فِيهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، وَلَيْسَ فِيهِ قَوْلُهُ: (فَكَانَ يَلْبَسُهُ فِي يَمِينِهِ) أَيْ قَبْلَ تَحْرِيمِ الذَّهَبِ عَلَى الرِّجَالِ، قَالَ مِيرَكُ: وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ جُوَيْرِيَةَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَقَالَ فِي آخِرِهِ: قَالَ جُوَيْرِيَةُ وَلَا أَحْسَبُهُ إِلَّا قَالَ فِي يَدِهِ الْيُمْنَى (فَاتَّخَذَ النَّاسُ) أَيِ الذُّكُورُ مِنْهُمْ أَوِ الْكُلُّ، ثُمَّ نُسِخَ وَأُبِيحَ لِلنِّسَاءِ (خَوَاتِيمَ مِنْ ذَهَبٍ فَطَرَحَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَيْ لِلْوَحْيِ بِتَحْرِيمِهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْفَاءَ تَعْقِيبِيَّةٌ، وَجَعَلَهَا الْعِصَامُ تَفْرِيعِيَّةً، حَيْثُ قَالَ: تَفْرِيعٌ لِلطَّرْحِ عَلَى اتِّخَاذِ النَّاسِ دُونَ لُبْسِهِمْ، دَلَّ عَلَى أَنَّ مَا صَارَ مَنْهِيًّا هُوَ اتِّخَاذُهُ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ اللُّبْسِ، حَيْثُ كُرِهَ اتِّخَاذُهُمْ ذَلِكَ انْتَهَى. وَفِيهِ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ النَّاسَ اتَّخَذُوهَا لِلُّبْسِ أَوِ اتَّخَذُوهَا وَلَبِسُوهَا وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ، مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الطَّرْحَ قَبْلَ لُبْسِهِمْ مَعَ أَنَّ مُجَرَّدَ اتِّخَاذِ خَاتَمِ الذَّهَبِ لَيْسَ بِمَنْهِيٍّ إِجْمَاعًا، وَقَدْ طَرَحَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَقَالَ لَا أَلْبَسُهُ أَبَدًا) وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَكْرُوهَ لُبْسُهُ، وَأَمَّا جَعْلُ نَفْيِ اللُّبْسِ كِنَايَةً عَنْ كَرَاهِيَةِ الِاتِّخَاذِ، فَفِي غَايَةٍ مِنَ الْبُعْدِ، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ كَرَاهَةُ اللُّبْسِ، وَعَلَى أَنَّهُمْ لَبِسُوهُ قَبْلَ ذَلِكَ، قَوْلُهُ: (فَطَرَحَ النَّاسُ خَوَاتِيمَهُمْ) أَيْ مِنْ أَيْدِيهِمْ وَالْخَوَاتِيمُ جَمْعُ خَاتَمٍ كَالْخَوَاتِمِ وَالْيَاءُ فِيهَا لِلْإِشْبَاعِ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَهَذَا هُوَ النَّاسِخُ لِحِلِّهِ مَعَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ، وَقَدْ أَخَذَ ذَهَبًا فِي يَدٍ وَحَرِيرًا فِي يَدٍ، وَقَالَ: هَذَانِ حَرَامَانِ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي، حِلٌّ لِإِنَاثِهَا. وَوَقَعَ لِبَعْضِ مَنْ لَا إِلْمَامَ لَهُ بِالْفِقْهِ هُنَا تَخْلِيطٌ فَاجْتَنِبْهُ، كَيْفَ وَالْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ عَلَى تَحْرِيمِهِ لِلنَّهْيِ عَنْهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا، وَرَخَّصَتْ فِيهِ طَائِفَةٌ، وَاسْتَدَلُّوا بِأَنَّ خَمْسَةً مِنَ الصَّحَابَةِ مَاتُوا وَخَوَاتِيمُهُمْ مِنْ ذَهَبٍ، وَيُرَدُّ بِأَنَّ ذَلِكَ إِنْ صَحَّ عَنْهُمْ يَتَعَيَّنُ حَمْلُهُ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُمُ النَّهْيُ عَنْهُ انْتَهَى. قَالَ الْإِمَامُ مُحْيِي السُّنَّةِ: هَذَا الْحَدِيثُ يَشْتَمِلُ عَلَى أَمْرَيْنِ: تَبَدَّلَ الْحُكْمُ فِيهِمَا اتِّخَاذُ خَاتَمِ الذَّهَبِ، تَبَدَّلَ جَوَازُهُ بِالِامْتِنَاعِ فِي حَقِّ الرِّجَالِ، وَاللُّبْسِ فِي الْيَمِينِ تَبَدَّلَ بِاللُّبْسِ فِي الْيَسَارِ، وَتَقَرَّرَ الْأَمْرُ عَلَيْهِ، وَهَذَا يُنَافِي مَا قَالَ النَّوَوِيُّ: مِنْ أَنَّ الْإِجْمَاعَ عَلَى جَوَازِ التَّخَتُّمِ فِي الْيُمْنَى وَالْيُسْرَى، هَذَا وَقَدْ ثَبَتَ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ رَأَى فِي يَدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاتَمًا مِنْ وَرِقٍ يَوْمًا ثُمَّ إِنَّ النَّاسَ اصْطَنَعُوا الْخَوَاتِيمَ مِنْ وَرِقٍ، وَلَبِسُوهَا فَطَرَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاتَمَهُ، وَطَرَحَ النَّاسُ خَوَاتِيمَهُمْ، مَعَ جَوَازِ لُبْسِهِ لِلْخَوْفِ عَلَيْهِمْ مِنَ التَّكَبُّرِ وَالْخُيَلَاءِ انْتَهَى. وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ وَجْهَهُ هُوَ أَنْ لَا يَلْبَسَ أَحَدٌ مِمَّنْ لَا يَحْتَاجُ إِلَى الْخَتْمِ بِهِ، قَالَ مِيرَكُ: وَفِي رِوَايَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ فَلَمَّا رَآهُمُ اتَّخَذُوهَا رَمَى بِهِ وَفِي رِوَايَةِ جُوَيْرِيَةَ، فَرَقَى الْمِنْبَرَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، فَقَالَ: إِنِّي كُنْتُ اصْطَنَعْتُهُ، وَإِنِّي لَا أَلْبَسُهُ، وَفِي رِوَايَةِ الْمُغِيرَةِ بْنِ زِيَادٍ فَرَمَى بِهِ فَلَا يُدْرَى مَا فَعَلَ، قَالَ: وَهَذَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِكَوْنِهِ مِنْ ذَهَبٍ، وَصَادَفَ وَقْتَ تَحْرِيمِ لُبْسِ الذَّهَبِ لِلرِّجَالِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَاعْلَمْ أَنَّ جُمْهُورَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ عَلَى حُرْمَةِ التَّخَتُّمِ بِخَاتَمِ الذَّهَبِ لِلرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ، وَالِاعْتِبَارُ بِالْحَلْقَةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ فَلَا بَأْسَ، بِمِسْمَارِ الذَّهَبِ عَلَى الْخَاتَمِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيَّةِ، وَذَهَبَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إِلَى أَنَّ لُبْسَ خَاتَمِ الذَّهَبِ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ، لَا تَحْرِيمٍ، فَقَوْلُ الْقَاضِي عِيَاضٍ أَنَّ النَّاسَ مُجْمِعُونَ عَلَى تَحْرِيمِهِ، لَيْسَ بِسَدِيدٍ، اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يُقَالَ: أَرَادَ بِالنَّاسِ الْجُمْهُورَ، أَوْ يُقَالَ: انْقَرَضَ قَرْنُ مَنْ قَالَ بِكَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ، وَاسْتَقَرَّ الْإِجْمَاعُ عَلَى التَّحْرِيمِ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ جَمَاعَةً مِنَ الصَّحَابَةِ كَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَطَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، وَصُهَيْبٍ وَجَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْخَطْمِيِّ، وَحُذَيْفَةَ وَأَبِي أَسِيدٍ، كَانُوا يَجْعَلُونَ خَوَاتِيمَهُمْ مِنْ ذَهَبٍ، كَمَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ، وَاسْتَغْرَبَ ابْنُ حَجَرٍ مَا وَرَدَ مِنْ ذَلِكَ مَا جَاءَ عَنِ الْبَرَاءِ الَّذِي رَوَى النَّهْيَ عَنْ خَاتَمِ الذَّهَبِ، فَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ أَبِي السَّفَرِ، قَالَ: رَأَيْتُ عَلَى جَابِرٍ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ، وَأَخْرَجَ الْبَغَوِيُّ عَنْ شُعْبَةَ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ نَحْوَهُ وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ مَالِكٍ رَأَيْتُ عَلَى الْبَرَاءِ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ، فَقَالَ: قَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَسْمًا فَأَلْبَسَنِيهِ، فَقَالَ: الْبَسْ مَا كَسَاكَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، قَالَ الْحَازِمِيُّ: إِسْنَادُهُ لَيْسَ بِذَاكَ، وَلَوْ صَحَّ فَهُوَ مَنْسُوخٌ، قَالَ الْعَسْقَلَانِيُّ: لَوْ ثَبَتَ النَّسْخُ عِنْدَ الْبَرَاءِ مَا لَبِسَهُ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ رَوَى حَدِيثَ النَّهْيِ الْمُتَّفَقِ عَلَى صِحَّتِهِ عَنْهُ، وَهُوَ حَدِيثُ: «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَبْعٍ، وَنَهَانَا عَنْ سَبْعٍ» وَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَفِيهِ: «نَهَانَا عَنْ خَاتَمِ الذَّهَبِ» فَالْجَمْعُ بَيْنَ رِوَايَتِهِ وَفِعْلِهِ، إِمَّا بِأَنْ يَكُونَ حَمَلَ النَّهْيَ عَلَى التَّنْزِيهِ، أَوْ فَهِمَ الْخُصُوصِيَّةَ مِنْ قَوْلِهِ الْبَسْ مَا كَسَاكَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَهَذَا أَوْلَى مِنْ قَوْلِ الْبُخَارِيِّ، لَعَلَّ الْبَرَاءَ لَمْ يَبْلُغْهُ النَّهْيُ، وَيُؤَيِّدُ الِاحْتِمَالَ الثَّانِيَ أَنَّهُ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ كَانَ النَّاسُ يَقُولُونَ لِلْبَرَاءِ: لِمَ تَتَخَتَّمُ بِالذَّهَبِ وَنَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَذْكُرُ هَذَا الْحَدِيثَ، ثُمَّ يَقُولُ: كَيْفَ تَأْمُرُونِي أَنْ أَضَعَ مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْبَسْ مَا كَسَاكَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ. .باب مَا جَاءَ فِي صِفَةِ سَيْفِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الصِّفَةُ الْوَصْفُ وَالْكَشْفُ وَالتَّبْيِينُ، وَبُدِأَ فِي آلَاتِ الْحَرْبِ بِالسَّيْفِ. لِأَنَّهُ أَنْفَعُهَا وَأَيْسَرُهَا وَأَغْلَبُهَا اسْتِعْمَالًا وَأُرْدِفَ بَابُ الْخَاتَمِ بِبَابِ السَّيْفِ؛ لِمَا عُلِمَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اتَّخَذَ الْخَاتَمَ لِيَخْتِمَ بِهِ رَسَائِلَهُ إِلَى الْمُلُوكِ إِشَارَةً إِلَى أَنَّهُ دَعَاهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ أَوَّلًا، فَلَمَّا امْتَنَعُوا حَارَبَهُمْ.(حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ أَخْبَرَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ) مَرَّ ذِكْرُهُمَا (أَخْبَرَنَا أَبِي عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَتْ قَبِيعَةُ سَيْفِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ فِضَّةٍ) أَخْرَجَهُ الْمُصَنِّفُ فِي جَامِعِهِ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَالدَّارِمِيُّ وَالْقَبِيعَةُ بِفَتْحِ الْقَافِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ، مَا عَلَى رَأْسِ قَائِمِ السَّيْفِ عَلَى مَا فِي النِّهَايَةِ، وَقِيلَ: هِيَ مَا تَحْتَ شَارِبَيِ السَّيْفِ مِمَّا يَكُونُ فَوْقَ الْغِمْدِ، فَيَجِئُ مَعَ قَائِمِ السَّيْفِ، وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ تَحْلِيَةِ السَّيْفِ وَسَائِرِ آلَاتِ الْحَرْبِ بِالْقَلِيلِ مِنَ الْفِضَّةِ، وَأَمَّا التَّحْلِيَةُ بِالذَّهَبِ فَغَيْرُ مُبَاحٍ، كَذَا ذَكَرَهُ مِيرَكُ، وَقَالَ الْحَنَفِيُّ: وَكَذَلِكَ الْمِنْطَقَةُ وَاخْتَلَفُوا فِي تَحْلِيَةِ اللِّجَامِ وَالسَّرْجِ فَأَبَاحَهُ بَعْضُهُمْ كَالسَّيْفِ وَحَرَّمَهُ بَعْضُهُمْ؛ لِأَنَّهُ مِنْ زِينَةِ الدَّابَّةِ، وَكَذَلِكَ اخْتَلَفُوا فِي تَحْلِيَةِ سِكِّينِ الْحَرْبِ وَالْمِقْلَمَةِ، بِقَلِيلٍ مِنَ الْفِضَّةِ انْتَهَى، قَالَ مِيرَكُ: وَيُفْهَمُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ قَبِيعَتَهُ كَانَتْ فِضَّةً فَقَطْ، لَكِنْ أَخْرَجَ ابْنُ سَعْدٍ مِنْ طَرِيقِ إِسْمَاعِيلَ عَنْ جَابِرٍ عَنْ عَامِرٍ، قَالَ: أَخْرَجَ إِلَيْنَا عَلِيُّ بْنُ حُسَيْنٍ سَيْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا قَبِيعَتُهُ مِنْ فِضَّةٍ، وَإِذَا حَلَقَتُهُ الَّتِي يَكُونُ فِيهَا الْحَمَائِلُ مِنْ فِضَّةٍ، قَالَ: فَسَلَلْتُهُ فَإِذَا هُوَ سَيْفٌ كَانَ لِمُنَبِّهِ بْنِ الْحَجَّاجِ السَّهْمِيِّ، أَصَابَهُ يَوْمَ بَدْرٍ، وَمِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَتْ نَعْلُ سَيْفِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحِلَقُهُ وَقِبَاعُهُ مِنْ فِضَّةٍ، وَمِنْ طَرِيقِ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَتْ نَعْلُ سَيْفِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِضَّةً، وَقَبِيعَتُهُ وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ حِلَقُ فِضَّةٍ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: الْحَاصِلُ أَنَّ الذَّهَبَ لَا يَحِلُّ لِلرِّجَالِ مُطْلَقًا لَا اسْتِعْمَالًا وَلَا اتِّخَاذًا وَلَا تَضْبِيبًا وَلَا تَمْوِيهًا، لَا لِآلَةِ الْحَرْبِ وَلَا لِغَيْرِهَا، وَكَذَا الْفِضَّةُ إِلَّا فِي التَّضْبِيبِ وَالْخَاتَمِ وَتَحْلِيَةِ آلَةِ الْحَرْبِ، وَمَا وَقَعَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ، مِنْ حِلِّ التَّمْوِيهِ تَارَةً، وَحُرْمَتِهِ أُخْرَى، مَحْمُولٌ عَلَى تَفْصِيلٍ عُلِمَ مِنْ مَجْمُوعِ كَلَامِهِمْ، وَهُوَ أَنَّهُ إِنْ حَصَلَ شَيْءٌ بِالْعَرْضِ عَلَى النَّارِ مِنْ ذَلِكَ الْمُمَوَّهِ حُرِّمَتِ اسْتَدَامَتُهُ، كَابْتِدَائِهِ وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ شَيْءٌ حَرُمَ الِابْتِدَاءُ فَقَطْ، أَمَّا نَفْسُ التَّمْوِيهِ الَّذِي هُوَ الْفِعْلُ، وَالْإِعَانَةُ عَلَيْهِ وَالتَّسَبُّبُ فِيهِ فَحَرَامٌ مُطْلَقًا، وَيَتَأَتَّى هَذَا التَّفْصِيلُ فِي تَمْوِيهِ الرِّجَالِ الْخَاتَمَ وَآلَةَ الْحَرْبِ بِالذَّهَبِ، وَقَالَ قَاضِي خَانَ: يُكْرَهُ الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ وَالِادِّهَانُ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَكَذَا الْمَجَامِرُ وَالْمَكَاحِلُ وَالْمَدَاهِنُ، كَذَا الِاكْتِحَالُ بِمَيْلِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَكَذَا السُّرُرُ وَالْكَرَاسِيُّ إِذَا كَانَتْ مُفَضَّضَةً أَوْ مُذَهَّبَةً، وَكَذَا السَّرْجُ إِذَا كَانَ مُفَضَّضًا أَوْ مُذَهَّبًا، كَذَا اللِّجَامُ وَالرِّكَابُ وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُجْعَلَ الْمُصْحَفَ مُفَضَّضًا أَوْ مُذَهَّبًا، وَلَا بَأْسَ بِتَحْلِيَةِ الْمِنْطَقَةِ وَالسِّلَاحِ وَحَمَائِلِ السَّيْفِ بِالْفِضَّةِ، فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا وَيُكْرَهُ ذَلِكَ بِالذَّهَبِ عِنْدَ الْبَعْضِ، وَهَذَا إِذَا كَانَ يَخْلُصُ مِنْهُ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ، وَأَمَّا التَّمْوِيهُ الَّذِي لَا يَخْلُصُ مِنْهُ شَيْءٌ فَلَا بَأْسَ بِهِ عِنْدَ الْكُلِّ، وَلَا بَأْسَ بِمَسَامِيرِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ. (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ أَخْبَرَنَا) وَفِي نُسْخَةٍ أَنْبَأَنَا (مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ حَدَّثَنِي) وَفِي نُسْخَةٍ قَالَ: حَدَّثَنِي (أَبِي عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ) أَخِي الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَخْرَجَ حَدِيثَهُ السِّتَّةُ، وَهَذَا الْحَدِيثُ مُرْسَلٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَوْسَاطِ التَّابِعِينَ لَكِنْ يَشْهَدُ لَهُ الْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ (قَالَ: كَانَتْ) وَفِي نُسْخَةٍ كَانَ: قَبِيعَةُ سَيْفِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ فِضَّةٍ. (حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ صُدْرَانَ) بِضَمِّ مُهْمَلَةٍ وَسُكُونِ أُخْرَى (الْبَصْرِيُّ) بِفَتْحِ الْبَاءِ وَكَسْرِهَا (أَخْبَرَنَا طَالِبُ بْنُ حُجَيْرٍ) بِضَمِّ مُهْمَلَةٍ وَفَتْحِ جِيمٍ وَسُكُونِ تَحْتِيَّةٍ آخِرُهُ رَاءٌ، أَخْرَجَ حَدِيثَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ لَهُ وَالتِّرْمِذِيُّ (عَنْ هُودٍ) بِالتَّنْوِينِ (وَهُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدٍ أَيِ الْعَبْدِيُّ) قَالَ السَّيِّدُ أَصِيلُ الدِّينِ: كَذَا وَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الشَّمَائِلِ الْمَقْرُؤَةِ، وَصَوَابُهُ سَعْدٌ بِغَيْرِ يَاءٍ انْتَهَى. أَخْرَجَ حَدِيثَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ، وَالتِّرْمِذِيُّ (عَنْ جَدِّهِ) أَيْ لِأُمِّهِ كَمَا فِي نُسْخَةٍ، وَهُوَ مَزْيَدَةُ بْنُ جَابِرٍ أَوِ ابْنُ مَالِكٍ، وَهُوَ الْأَصَحُّ (الْعَصْرِيِّ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَتَيْنِ الْعَبْدِيُّ ابْنُ عَبْدِ قِيسٍ صَحَابِيٌّ قَالَ ابْنُ مَنْدَهْ: وَكَانَ مِنَ الْوَفْدِ الَّذِينَ وَفَدُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَنَزَلْتُ قَبَّلْتُ يَدَهُ، وَمَزْيَدَةُ ضَبَطَهُ الْأَكْثَرُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الزَّايِ وَفَتْحِ الْيَاءِ، وَاخْتَارَهُ الْجَزَرِيُّ فِي تَصْحِيحِ الْمَصَابِيحِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَخَالَفَهُمُ الْعَسْقَلَانِيُّ، وَقَالَ فِي التَّقْرِيبِ: مَزِيدَةُ بِوَزْنِ كَبِيرَةٍ (قَالَ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ يَوْمَ الْفَتْحِ) أَيْ فَتْحِهَا (وَعَلَى سَيْفِهِ ذَهَبٌ وَفِضَّةٌ) لَا يُعَارِضُ مَا تَقَرَّرَ مِنْ حُرْمَتِهِ بِالذَّهَبِ؛ لِأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ ضَعِيفٌ، وَلَا يَصِحُّ الْجَوَابُ بِأَنَّ هَذَا قَبْلَ وُرُودِ النَّهْيِ عَنْ تَحْرِيمِ الذَّهَبِ؛ لِأَنَّ تَحْرِيمَهُ كَانَ قَبْلَ الْفَتْحِ عَلَى مَا نُقِلَ، وَلَعَلَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ أَنَّهُ كَانَتْ فِضَّتُهُ مُمَوَّهَةً بِالذَّهَبِ، وَكَانَ لَهُ سُيُوفٌ مُتَعَدِّدَةٌ، فَلَا يُنَافِي الْحَدِيثَ السَّابِقَ، وَيُشِيرُ إِلَيْهِ حَيْثُ مَا سُؤَالُ الرَّاوِي عَنِ الذَّهَبِ (قَالَ طَالِبٌ: فَسَأَلْتُهُ عَنِ الْفِضَّةِ) أَيِ الْمُمَوَّهَةِ (فَقَالَ: كَانَتْ قَبِيعَةُ السَّيْفِ فِضَّةً) قَالَ الْمُؤَلِّفُ فِي جَامِعِهِ: هَذَا الْحَدِيثُ غَرِيبٌ وَجَدُّ هُودٍ مَزْيَدَةُ الْعَصْرِيُّ، وَقَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: هَذَا الْحَدِيثُ لَا يَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ، إِذْ لَيْسَ لَهُ سَنَدٌ يُعْتَمَدُ بِهِ، وَذَكَرَهُ صَاحِبُ الِاسْتِيعَابِ فِي تَرْجَمَةِ مَزْيَدَةَ الْعَبْدِيِّ، وَقَالَ: لَيْسَ إِسْنَادُهُ بِالْقَوِيِّ، وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: هُوَ عِنْدِي ضَعِيفٌ، لَا حَسَنٌ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: هَذَا مُنْكَرٌ، وَقَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ: صَدَقَ ابْنُ الْقَطَّانِ، هَذَا وَأَخْرَجَ ابْنُ سَعْدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَنَفَّلَ سَيْفًا لِنَفْسِهِ يَوْمَ بَدْرٍ، يُقَالُ لَهُ ذُو الْفِقَارِ، وَهُوَ الَّذِي رَأَى فِيهِ الرُّؤْيَا يَوْمَ أُحُدٍ، وَمِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ مِثْلَهُ وَزَادَ فَأَقَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْمَهُ، وَمِنْ طَرِيقِ الْوَاقِدِيِّ بِإِسْنَادِهِ إِلَى أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى، قَالَ: أَصَابَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ سِلَاحِ بَنِي قَيْنُقَاعَ ثَلَاثَةَ أَسْيَافٍ: سَيْفٌ قَلْعِيٌّ، وَسَيْفٌ بَتَّارٌ، وَسَيْفٌ يُدْعَى الْحَتْفَ. (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ شُجَاعٍ) بِضَمِّ الشِّينِ وَقِيلَ: إِنَّهُ مُثَلَّثَةٌ (الْبَغْدَادِيُّ) بِالْمُهْمَلَتَيْنِ أَخْرَجَ حَدِيثَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ (أَخْبَرَنَا أَبُو عُبَيْدَةَ الْحَدَّادُ) أَخْرَجَ حَدِيثَهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ (عَنْ عُثْمَانَ بْنِ سَعْدٍ) ضَعِيفٌ أَخْرَجَ حَدِيثَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ (عَنِ ابْنِ سِيرِينَ) لَقَبٌ لِمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ مِنْ بَيْنِ إِخْوَتِهِ (قَالَ صَنَعْتُ) مِنَ الصُّنْعِ أَيْ أَمَرْتُ بِأَنْ يُصْنَعَ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ صُغْتُ بِضَمِّ الصَّادِ وَسُكُونِ الْغَيْنِ مِنَ الصَّوْغِ وَالصِّيَاغَةِ، أَيْ أَمَرْتُ بِأَنْ يُصَاغَ (سَيْفِي عَلَى سَيْفِ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ) أَيِ عَلَى تَمْثَالِ سَيْفِهِ فِي الشَّكْلِ وَالْوَضْعِ، وَجَمِيعِ الْكَيْفِيَّاتِ (وَزَعَمَ سَمُرَةَ) أَيْ قَالَ أَوْ ظَنَّ (أَنَّهُ صَنَعَ) بِصِيغَةِ الْمَعْلُومِ مِنَ الصُّنْعِ وَالضَّمِيرُ الْمُسْتَتِرُ فِيهِ رَاجِعٌ إِلَى سَمُرَةَ، وَقَوْلُهُ: (سَيْفَهُ) مَنْصُوبٌ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ لَهُ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ صِيغَ بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ، وَهُوَ بِكَسْرِ الصَّادِ وَسُكُونِ الْيَاءِ مِنَ الصَّوْغِ، وَسَيْفُهُ مَرْفُوعٌ عَلَى أَنَّهُ نَائِبُ الْفَاعِلِ، وَجَوَّزَ الْأَوَّلَ أَيْضًا عَلَى بِنَاءِ الْمَجْهُولِ، وَوَجْهُهُ مَعْلُومٌ (عَلَى سَيْفِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ) أَيِ الصُّنْعُ أَوِ السَّيْفُ وَأَمَّا جَعْلُ ضَمِيرِهِ إِلَى الصَّانِعِ الْمُقَدَّرِ، وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ ذِكْرٌ فَهُوَ خِلَافُ الظَّاهِرِ الْمُسْتَغْنَى عَنْهُ (حَنَفِيًّا) أَيْ مَنْسُوبًا إِلَى بَنِي حَنِيفَةَ قَبِيلَةُ مَسْلَمَةَ؛ لِأَنَّ صَانِعَهُ مِنْهُمْ فَالْمَعْنَى أَنَّهُ كَانَ مَصْنُوعًا لَهُمْ أَوْ مِمَّنْ يَعْمَلُ كَعَمَلِهِمْ، فَالْمَعْنَى عَلَى هَيْئَةِ سُيُوفِهِمْ، قَالَ السَّيِّدُ أَصِيلُ الدِّينِ: يَعْنِي أَنَّهُ كَانَ مِنْ عَمَلِ بَنِي حَنِيفَةَ، وَهُمْ مَعْرُوفُونَ بِحُسْنِ الصَّنْعَةِ فِي اتِّخَاذِهِ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَنَّهُ أَتَى بِهِ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ، وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا صَنَعُوهُ، قَالَ مِيرَكُ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ سِيرِينَ، أَيْ قَالَ ابْنُ سِيرِينَ: وَكَانَ سَيْفُ سَمُرَةَ حَنَفِيًّا أَوْ مِنْ كَلَامِ سَمُرَةَ أَيْ قَالَ سَمُرَةُ: وَكَانَ سَيْفُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَنَفِيًّا انْتَهَى. وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ أَيْضًا مِنْ كَلَامِ ابْنِ سِيرِينَ عَلَى سَبِيلِ الْإِرْسَالِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالْحَالِ. قَالَ الْمُؤَلِّفُ فِي جَامِعِهِ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَقَدْ تَكَلَّمَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ فِي عُثْمَانَ بْنِ سَعْدٍ الْكَاتِبِ وَضَعَّفَهُ مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ. (حَدَّثَنَا عُقْبَةُ) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ (بْنُ مُكْرَمٍ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ مِنَ الْإِكْرَامِ (الْبَصْرِيُّ) بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ أَخْرَجَ حَدِيثَهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ (قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ) أَخْرَجَ حَدِيثَهُ السِّتَّةُ (عَنْ عُثْمَانَ بْنِ سَعْدٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ) أَيِ الْمَذْكُورِ مِنْ قَبْلُ (نَحْوَهُ) أَيْ مَعْنَى ذَلِكَ السَّنَدِ قَالَهُ السَّيِّدُ أَصِيلُ الدِّينِ. |